الخميس، 3 سبتمبر 2020

إنشتاين العبقري قصة حياته

 





الكثير من العلماء ظهروا عبر التاريخ، والكثير منهم سطع نجمهم

 وبقيت ذكراهم حاضرة؛ رغم مرور مئات السنين على وفاتهم؛

والسبب في ذلك يعود إلى ما قدمه هؤلاء الشخصيات
 للبشرية، ودورهم الكبير في تطوير الفكر الإنسانيّ، وما تركوه من إنجازات .ساهمت في تقدم الحضارة الإنسانيّة، وأحد أبرز هؤلاء العلماء هو ألبرت أينشتاين
ألبرت أينشتاين، فيزيائي ألماني حائز على جائزة نوبل، وأحد أكثر المؤثرين في علم الفيزياء في القرن العشرين. يعود له الفضل
.بوضع نظريتي النسبية العامة والخاصة



وُلد ألبرت أينشتاين في مدينة أولم الألمانية في 14 مارس 1879 لأسرة يهودية غير متدينة،والده  هيرمان كان مهندسا وبائعا أسس مع شقيقه شركة لصناعة المعدات الكهربائية في ميونيخ،  كما عملت أم ألبرت " بولين كوخ" معهما في إدارة الورشة.
تأخر أينشتاين الطفل في النطق حتى الثالثة من عمره، لكنه أبدى شغفا كبيرا بالطبيعة، ومقدرة على إدراك المفاهيم الرياضية .الصعبة
وعلى الرغم من أنه كان يهوديا، فقد دخل أينشتاين مدرسة إعدادية كاثوليكية وتلقّى دروساً في العزف على آلة الكمان، إذ استعمل الموسيقى كوسيلة للإسترخاء، و لقد عزف طيلة حياته حتى توقف كفه الايمن عن الحركة بالسرعة والدقة المطلوبتين عندما أصبح عجوزا.
 في الخامسة من عمره أعطاه أبوه بوصلة، وقد أدرك حينها أن ثمّة قوةً في الفضاء تقوم بالتأثير على إبرة البوصلة وتقوم بتحريكها .

درس المرحلة الابتدائية في ميونخ ،إلَّا أنه لم يتأقلم أبدا  مع المنهاج  الدراسي الجامد ،كما لم ترق له دراسة العلوم الانسانية  ابدا، و واجه صعوبات كبيرة في الكتابة إذ  يعتقد انه كان يعاني من عسر القراءة المرضي .
في ذلك الزمن لم تكن هذه الحالة تخضع للفحص والتشخيص،وحسب   شقيقته، فإن  أحد مدرسي اللغات  وبخه في أحد الأيام وقال له إنه لن يصبح شيئا في حياته.
لكن  أينشتاين برع  دائماً في الرياضيات والفيزياء منذ صغره، حيث وصل إلى مستوى في الرياضيات يفوق أقرانه بسنوات. وتعلم أينشتاين بنفسه وهو لا يزال في الثانية عشرة علمي الجبر والهندسة الإقليدية خلال فترة صيف واحد، يقول مدرس العائلة ماكس تلمود والشهير بـ تالمي أنه بعد أن أعطى أينشتاين البالغ من العمر 12 عاما كتابا مدرسيا في الهندسة؛ فإذا به يلم بما في الكتاب خلال فترة قصيرة. ليكرس أينشتاين نفسه لاحقاً للرياضيات المتقدمة. تلك العبقرية الرياضية العالية جداً التي وصل لها أينشتاين جعلت من الصعب على تالمي القدرة على تدريسه. شغف أينشتاين وهو لمـّا يزال في الثانية عشرة بالهندسة والجبر أوصلته إلى قناعة ذاتية بأنه يمكن فهم الطبيعة على أنها بناء رياضي. 
بدأ أينشتاين بتدريس نفسه حساب التفاضل والتكامل في الثانية عشرة من عمره، ويقول عن نفسه أنه أتقن مسائل التفاضل والتكامل في الرابعة عشرة من عمره.



انتقل والده هيرمان أينشتاين رفقة العائلة إلى ميلان في إيطاليا بعد أن خسر أعماله ،تاركا ابنه ألبرت عند أقاربه في ميونخ من 
أجل اكمال الدراسة.
استغل أينشتاين الابن الفرصة السانحة للانسحاب من المدرسة في ميونخ التي كره فيها النظام الصارم والروح الخانقة. وأمضى بعدها أينشتاين سنةً مع والديه في مدينة ميلانو حتى تبين أن من الواجب عليه تحديد طريقه في الحياة فأنهى دراسته الثانوية في مدينة أراو السويسرية، وتقدَّم بعدها إلى امتحانات المعهد الاتحادي السويسري للتقنية في زيوريخ عام 1895، وقد أحب أينشتاين طرق التدريس فيه، وكان كثيراً ما يقتطع من وقته ليدرس الفيزياء بمفرده، أو ليعزف على كمانه، إلى أن اجتاز الامتحانات وتخرَّج في عام 1900، لكن مُدرِّسيه لم يُرشِّحوه للدخول إلى الجامعة.
بعد رسوب أينشتاين في امتحان الدخول الى الجامعة، اضطر للعمل ككاتب بسيط في  أحد المكاتب الخاصة ببراءة الإختراع، لكنه استغل الفرصة، و الوقت الكافي لتطوير و توسيع افكاره ونظرياته، حول ما عرف لاحقا بالنظرية النسبية الشهيرة.


كان أينشتاين قد تنازل عن جنسيته الألمانية في عام 1896، حتى لا يؤدي الخدمة العسكرية التي كان يكره أداءها بشدة، مما جعله بلا هوية إثبات شخصية أو إنتماءٍ لأي بلدٍ معين، وفي عام 1898، التقى أينشتاين "بميلفا ماريك" زميلته الصربية على مقاعد الدراسة ووقع في غرامها، وكان في فترة الدراسة يتناقش مع أصدقائه المقربين في المواضيع العلمية. وبعد تخرجه في عام 1900 عمل أينشتاين مدرّساً بديلاً، وفي العام الذي يليه حصل على حق المواطنة السويسرية، ورُزق بطفلةٍ غير شرعية من صديقته سميّاها (ليسيرل) في يناير من العام  1901 و بعد ذلك أتما مراسيم الزواج.
تمكن من الحصول على شهادة الدكتوراه في عام 1905 من جامعة زيورخ، وكان موضوع الرسالة يدور حول أبعاد الجزيئات، وفي العام نفسه كتب أينشتاين 4 مقالاتٍ علميةٍ دون الرجوع للكثير من المراجع العلمية أو التشاور مع زملائه الأكاديميين، وتعتبر هذه المقالات العلمية اللبنة الأولى للفيزياء الحديثة التي نعرفها اليوم، عرف أينشتاين "بأبي النسبية"، تلك النظرية التي هزت العالم من الجانب العلمي، إلا أن جائزة نوبل مُنحت له في مجال آخر  هو المفعول الكهرضوئي .


في عام 1906 ترقى أينشتاين في السلم الوظيفي ، وفي عام 1908 مُنح إجازةً لإلقاء الدروس والمحاضرات من "بيرن" في سويسرا، ووُلد الطفل الثاني لأينشتاين الذي سُمِّي "إدوارد" في 28 يوليو 1910، كان الزواج قد توتر منذ عام 1912، حيث بدأ أينشتاين بالتحدث مع ابنة عمه إلسا، حيث بدأوا بالمراسلات العادية. بعد فترة وجيزة من الاستقرار في برلين، فرض  أينشتاين  شروط قاسية على زوجته ميلفا إذا كانت ستبقى معه في برلين. في عام 1914 أعادت الأولاد إلى زيورخ، وبدأت إجراءات  الطلاق بعد المعاملة القاسية من ألبرت لزوجته. وقد ألتزم أينشتاين بشكل قانوني بإرسال مبلغ سنوي قدره 5600 رايخ . بعد خمس سنوات من فترة الانفصال المطلوبة، انفصل الزوجان رسميا وطلّق أينشتاين زوجته ميلِفا في 14 فبراير 1919، وتزوج بعدها من ابنة عمه "إلسا أينشتاين" التي تكبره بثلاث سنوات في 2 يونيو 1919

لا  أحد يعلم  حتى هذه الساعة شيئا عن مصير طفلة أينشتاين الأولى غير الشرعية من زوجته ميلِفا إذ يعتقد البعض أنها ماتت في فترة الرضاعة، ويعتقد البعض الآخر أن والديها أعطياها لمن لا أولاد له للتبني، أمّا بالنسبة لأولاد أينشتاين، فقد أُصيب "إدوارد" بمرض انفصام الشخصية، ومات فيما بعد في المصح العقلي الذي تولى علاجه ورعايته. أمّا هانز، فقد كان مهندسا هيدروليكيا ولديه بحث عن نقل الرواسب، انتقل لولاية كاليفورنيا الأمريكية للعيش فيها ومن ثم أصبح أستاذا في الجامعة، وكانت اتصالاته مع والده محدودة جدا.




في عام 1914 وقبيل الحرب العالمية الأولى، استقر أينشتاين في مدينة "برلين" الألمانية،بعدها بسنوات بينما  كان آينشتاين يسافر متحدثًا عن نظرياته،  الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر يستولي على السلطة في ألمانيا ، معتمدًا على الدعاية التحريضية والعنف ومستفيدًا من حالة الإحباط في البلاد بعد خسارة الحرب العالمية الأولى، واستطاع الحزب النازي أن يؤثر على العديد من العلماء الذين سمُّوا أعمال آينشتاين "الفيزياء اليهودية" وأدى التحريض إلى طرد المواطنين اليهود من الجامعات والمناصب الحكومية حتى أن آينشتاين نفسه كان هدفًا للقتل.
وفي اوائل ثلاثينيات القرن الماضي، حصل آينشتاين على عمل في الولايات المتحدة، و لقد اتهمه الرايخ الثالث النظام النازي بالخيانة، كما  قام  الطلبة النازيون بإحراق كتبه.
ورغم قيام آينشتاين بمساعدة العديد من اليهود على الفرار من المانيا النازية، لم يكن مرتاحا تماما لمغادرة مسقط رأسه، فقد كتب في رسالة اشعر بالعار تقريبا للعيش في سلام بينما يعاني الآخرون.
تحصل آينشتاين على  منصب في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون ، نيوجيرسي بأمريكا سنة 1933، حيث  سيقضى بقية حياته ،ولم يعد إلى ألمانيا بلده الأصلي أبدًا. كما أن العديد من العلماء الأوروبيين هاجروا إلى الولايات المتحدة هربًا من التهديد النازي لأوروبا، وأبدوا مخاوفهم من سعي ألمانيا النازية  لصنع سلاح نووي.
ففي سنة 1939 كتب آينشتاين وصديقه الفيزيائي ليو زيلارد رسالةً إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يحذرونه فيها من سعي ألمانيا الهتلرية لامتلاك قنبلةٍ نووية ومحفزين الولايات المتحدة على امتلاك السلاح النووي، وهو ما دفع الولايات المتحدة فيما بعد لبدء مشروع مانهاتن الشهير . ورغم ذلك  لم يشارك ألبرت  بشكلٍ مباشر في هذا المشروع نظرًا  لكرهه  للحروب.
عبر أينشتاين عن أسفه وندمه على كتابة ذلك الخطاب لروزفلت فيما بعد، ولكنه برر موقفه بأنه كان يخاف من نجاح الحزب النازي في الحصول على القنبلة النووية قبلهم وما كان سيشكله هذا من خطر على أوروبا والعالم. وفي عام 1947، صرح أينشتاين لمجلة نيوزويك قائلًا: "هل كنت أعرف بأن علماء ألمانيا لن ينجحوا في صناعة القنبلة الذرية، لو كنت أعرف ذلك لما كنت وقعت الخطاب.
 ساهم خلال الحرب العالمية الثانية بتبرعاتٍ مالية للبحرية الأمريكية من خلال بيع مخطوطات له تساوي الملايين بالمزاد العلني.
تحصل على الجنسية الأمريكية فيما بعد،كما دعم ملوني البشرة، حيث رأى تشابها كبيرا بين معاملة اليهود في ألمانيا النازية و معاملة الأمريكيين البيض  للأمريكين السود  في الولايات المتحدة، واصفا  التمييز العنصري بالمرض وذلك في خطابٍ له بجامعة لينكولن عام 1946
عرضت الحكومة الإسرائيلية على أينشتاين منصب رئيس الدولة في العام 1952  مع منحه كامل الحرية  لمواصلة عمله العلمي، لكن أينشتاين رفض هذا العرض الإسرائيلي. 
وقد صرّح أينشتاين في خطاب يعود لعام 1938 بعنوان "واجبنا نحو الصهيونية" قائلاً: "يجب على اليهود أن يعقدوا اتفاقاً مع العرب لكي يستطيعوا العيش معاً في سلام بدلاً من تكوينهم مجتمع يهودي عنصري. إن إدراكي للطبيعة الجوهرية لليهودية يقاوم فكرة قيام دولة يهودية ذات حدود، ويرفض تماما فكرة طرد الفلسطينيين من أرضهم لإقامة أمتنا.
كانت وجهة نظر أينشتاين السياسية لصالح الاشتراكية وانتقاد لرأسمالية، التي شرحها في مقالاته مثل "لماذا الاشتراكية؟". ودعا بقوة لفكرة قيام حكومة عالمية ديمقراطية في إطار اتحاد عالمي. بسبب ذلك أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفًا سريًا  عن أينشتاين في عام 1932، وبحلول وقت وفاته كان ملف مكتب التحقيقات الفيدرالي الخاص به يبلغ 1427 صفحة.
وفي نهاية حياته اتهمته المخابرات الأمريكية بالميول للشيوعية لأنه  قال كلاما ينتقد فيه النظام الرأسمالي الذي لم يكن يروق له.
كما تأثر أينشتاين بعمق من المهاتما غاندي. اذ تبادل رسائل مكتوبة مع غاندي، ووصفه بأنه "قدوة للأجيال القادمة" .

كان أنشتاين  عازفًا ماهرًا على الكمان و يكره ارتداء الجوارب بشدة كا يحب الإبحار و قيادة القوارب. 
تحدث أينشتاين عن  وجهة نظره الروحية في مجموعة واسعة من الكتابات والمقابلات الأصلية. إذ إنه كان متعاطفا مع وحدوية  الإله الغير شخصي وفقاً لفلسفة سبينوزا. كما أنه لا يؤمن بإله شخصي يهتم بمصير وأعمال البشر، وهو رأي وصفه بالسذاجة. إلا أنه أوضح أنه "ليس ملحدًا"، مفضلاً أن يطلق على نفسه لاأدريا أو ربوبيا . 
عندما سئل عما إذا كان يعتقد في الحياة الآخرة أجاب أينشتاين، "لا. وحياة واحدة تكفيني."






 في 17 نيسان/ أبريل عام 1955 عانى أينشتاين من تمدد الأوعية الدموية، وأُدخل المركز الطبي لجامعة برينستون إلا أنه رفض إجراء الجراحة مؤمنًا بأنه عاش حياته ولابد له من تقبل قدره حيث قال "أريد الموت حين أقرر ذلك، لقد أديت دوري في الحياة ولا نفع من إطالتها بشكلٍ مصطنع، لذلك سأرحل بلباقة".

توفي في 18 أبريل 1955 ، وحُرِقَ جثمانه في مدينة "ترينتون" في ولاية "نيو جيرسي" ونُثر رمادهُ في مكان غير معروف، وحُفظ دماغ العالم أينشتاين في جرّة عند الطبيب الشرعي "توماس هارفي" الذي قام بتشريح جثته بعد موته، وكان سبب الوفاة تمدد في الشريان الأورط.
قام علماء بتشريح دماغ آينشتاين وقياس ابعاده ووزنه، كما ارسلت عينات منه الى مختبرات في شتى انحاء العالم،وتوصلت بعض  البحوث الى ان دماغ آينشتاين تميز بخلايا عصبية مرصوصة بشكل غير طبيعي الامر الذي اتاح له التعامل مع المعلومات بشكل اسرع من سواه، كما أن المناطق في مخه المسؤولة عن ادراك المكان والتفكير الرياضي اكبر من الحجم الطبيعي.
ويحتفظ أحد المتاحف في  نيو جيرسي الامريكية بمعظم ما تبقى من دماغ العالم الأسطوري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق